فصل: دولة المستنصر بن الناصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 ثورة ابن الفرس

كان عبد الرحيم بن عبد الرمن بن الفرس من طبقة العلماء بالأندلس ويعرف بالمهر وحضر مجلس المنصور في بعض الأيام وتكلم بها حتى خشي عاقبته في عقده وخرج من المجلس فاختفى مدة ثم بعد مهلك المنصور ظهر في بلاد كزولة وانتحل الإمامة وادعى أنه القحطاني المراد في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يقود الناس بعصاه يملأها عدلا كما ملئت جوراً ‏"‏ إلى آخر الحديث وكان مما ينسب له من الشعر‏:‏ قولوا لأبناء عبد المؤمن بن علي تأهبوا لوقوع الحادث الجلل قد جاء سيد قحطان وعاملها ومنتهى القول والغلاب للدول والناس طوعاً عصاه وهو سائقهم بالأمر والنهي بحر العلم والعمل تبادروا أمره فالله ناصره والله خاذل أهل الزيغ والميل فبعث الناصر إليه الجيوش فهزموه وقتل وسيق رأسه إلى مراكش فنسب بها‏.‏

 دولة المستنصر بن الناصر

لما هلك محمد الناصر بويع ابنه يوسف سنة إحدى عشرة وهو ابن ست عشرة سنة ولقب المستنصر بالله وغلب عليه ابن جامع ومشيخة الموحدين فقاموا بأمره‏.‏ وتأخرت بيعة أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص من إفريقية لصغر سن المستنصر‏.‏ ثم وقعت المحاولة من الوزير ابن جامع وصاحب الأشغال عبد العزيز بن أبي زيد فوصلت بيعته واشتغل المستنصر عن التدبير بما يقتضيه الشباب وعقد للسادة على عمالات ملكه‏:‏ فعقد للسيد أبي إبراهيم أخي المنصور وتلقب بالظاهر على فاس وهو أبو المرتضى‏.‏ وعقد على إشبيلية لعمه السيد أبي إسحاق الأحول‏.‏ واستولى الفنش على المعاقل التي أخذها الموحدون وهزم حامية الأندلس ووفد رسوله ابن الفخار فحاوله ابن جامع في السلم فعقده‏.‏ ثم صرف ابن جامع عن الوزارة بعد مهلك ابن أبي زيد بسعاية أبي بن يوجان واستوزر أبا يحيى الهزرجي وولى على الأشغال أبا علي بن أشرفي‏.‏ ثم رضي عن ابن جامع وأعاده وعزل أبا زيد بن يوجان من ولاية تلمسان بأبي سعيد بن المنصور وبعثه إلى مرسية فاعتقل بها‏.‏ واستمرت أيام المستنصر في هدنة وموادعة إلى أن ظهر بنو مرين بجهات فاس سنة ثلاث عشره فخرج إليهم واليها السيد أبو إبراهيم في جموع الموحدين فهزموه وأسروه‏.‏ ثم عرفوه وأطلقوه ثم وصل الخبر بمهلك أبي محمد بن أبي حفص صاحب إفريقية فولى عليها السيد أبا العلى أخا المنصور وكان والياً بإشبيليه فعزل‏.‏ وولى على إفريقية بسعاية ابن مثنى خاصة السلطان فتوجه إليها كما نذكر في أخبار بني أبي حفص‏.‏ وخرج بناحية فاس رجل من العبيديين انتسب للعاضد وتسمى بالمهدي فبعث السيد أبو إبراهيم أخو المنصور والي فاس إلى شيعته وبذل لهم المال فتقبضوا عليه وساقوه إليه فقتل‏.‏ وفي سنة تسع عشرة عقد المستنصر لعمه أبي محمد المعروف بالعادل على مرسية وعزله عن غرناطة‏.‏ وهلك الخبر عن دولة المخلوع أخي المنصور لما هلك المستنصر في الأضحى من سنة عشرين اجتمع ابن جامع والموحدون وبايعوا للسيد أبي محمد عبد الواحد أخي المنصور فقام بالأمر وأمر بمطالبة لبن أاشرفي بالمال‏.‏ وكتب لأخيه أبي العلى بتجديد الولاية على إفريقية بعد أن كان المستنصر أوعز بعزله فأدركته الولاية ميتاً فاستبد بها ابنه أبو زيد المشمر كما نذكره في أخبار إفريقية‏.‏ وأنفذ المخلوع أمره بإطلاق ابن يوجان فأطلق‏.‏ ثم صده ابن جامع عن ذلك وأنفذ أخاه أبا إسحاق في الأسطول ليغربه إلى ميورقة كما كان المستنصر أنفذ قبل وفاته‏.‏ وكان الوالي بمرسية أبو محمد عبد الله بن المنصور فأغراه ابن يوجان بالتوثب على الأمر وشهد له أنه سمع من المنصور العهد له بالخلافة من بعد الناصر‏.‏ وكان الناس على كره ابن جامع‏.‏ وولاة الأندلس كلهم بنو المنصور فأصغى إليه وكان متردداً في بيعة عمه فدعا لنفسه وتسمى العادل‏.‏ وكان أخوته أبو العلى صاحب قرطبة وأبو الحسن صاحب غرناطة وأبو موسى صاحب مالقة فبايعوه سراً‏.‏ وكان أبو محمد بن أبي عبد الله محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن المعروف بالبياسي صاحب جيان وعزله المخلوع بعمه أبي الربيع بن أبي حفص فانتقض وبايع للعادل‏.‏ وزحف مع أبي العلى صاحب قرطبة وهو أخو العادل إلى إشبيلية وبها عبد العزيز أخو المنصور والمخلوع فدخل في دعوتهم‏.‏ وامتنع السيد أبو زيد بن أبي عبد الله أخي البياسي عن بيعة العادل وتمسك بطاعة المخلوع‏.‏ وخرج العادل من مرسية إلى إشبيلية فدخلها مع أبي زيد بن يوجان وبلغ الخبر إلى مراكش فاختلف الموحدون على المخلوع وبادروا بعزل ابن جامع وتغريبه إلى هسكورة‏.‏ وقام بأمر هنتاتة أبو زكرياء يحيى بن أبي يحيى الشهيد ابن أبي حفص وبأمر تينملل يوسف بن علي وبعث على أسطول البحر أبا إسحاق بن جامع وأنفذه لمنع الجواز من الزقاق‏.‏ وكان أسر إلى ابن جامع حين خرج إلى هسكورة أن يحاول عليه من هنالك فلم يتم أمره وقتل بمكان خفي ربيع سنة إحدى وعشرين وبعث الموحدون بيعتهم إلى العادل والله أعلم‏.‏

 الخبر عن دولة العادل بن المنصور

لما بلغت بيعة الموحدين للعادل وكتاب ابن زكرياء بن الشيهد بقصة المخلوع قارن ذلك تغييره للبياسي فانتقض عليه ودعا لنفسه ببياسة وتلقب الظافر وشغل بشأنه‏.‏ وبعث أخاه أبا العلى لحصاره فامتنع عليه وبعث بعده أبا سعيد ابن الشيخ أبي حفص فامتنع عليه أيضاً‏.‏ واختلفت الأحوال بالأندلس على العادل‏.‏ وكثرت إغارة النصارى على إشبيلية ومرسية وهو مقيم بها‏.‏ وانهزمت جيوش الموحدين على طلياطة وأغراه خاصته بابن يوجان فأخذ إلى سبتة‏.‏ وعظم أمر البياسي بالأندلس وظاهره النصارى على شأنه فأجاز العادل إلى العدوة وولى أخاه أبا العلى على الأندلس‏.‏ ولما كان بقصر المجاز دخل عليه عبو بن أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص فقال له كيف حالك فأنشد‏:‏ حال متى علم ابن منصور بها جاء الزمان إليه منها تائبا فاستحسن ذلك وولاه أفريقية‏.‏ وكتب للسيد أبي زيد ابن عمه بالقدوم ووصل إلى سلا وأقام بها‏.‏ وبعث عن شيوخ جشم وكان لابن يوجان عناية واختصاص بهلال بن حميدان بن مقدم أمير الخلط فتثاقل ابن جرمون أمير سفيان عن الوصول واقتتل الخلط وبادر العادل إلى مراكش فدخلها واستوزر أبا زيد بن أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص وتغير لابن يوجان ففسد باطنه‏.‏ وتغلب على الدولة ابن الشهيد ويوسف علي شيخا هنتاتة وتينملل‏.‏ ثم خالفت هسكورة والخلط وعاثوا في نواحي مراكش وخرج إليهم ابن يوجان فلم يغن شيئاً فخربوا بلاد دكالة فأنفذ إليهم العادل عسكراً من الموحدين لنظر إبراهيم بن إسماعيل ابن الشي أبي حفص وهو الذي كان نازع أولاد الشيخ أبي محمد بإفريقية كما نذكره فانهزم وقتل‏.‏ وخرج ابن الشهيد ويوسف بن علي إلى قبائلهما للحشد ومدافعة هسكورة فاتفقا على خلع العادل والبيعة ليحيى بن الناصر وقصدوا مراكش فاقتحموا عليه القصر ونهبوه وقتل العادل خنقاً أيام الفطر سنة أربع وعشرين‏.‏ ومزاحمة يحيى بن الناصر له كان المأمون لما بلغه انتقاض الموحدين والعرب على أخيه وتلاشي أمره دعا لنفسه بإشبيلية فبويع وأجابه أكثر أهل الأندلس‏.‏ وبايع له السيد أبو زيد صاحب بلنسية وشرق الأندلس‏.‏ ثم كان ما قدمناه من انتقاض الموحدين على العادل وقتله بالقصر وبيعتهم ليحيى ابن أخيه الناصر فكاتب ابن يوجان سراً وعمل على إفساد الدولة فداخل هسكورة والعرب في الغارة على مراكش وهزموا عساكر الموحدين‏.‏ وفطن ابن الشهيد لتدبير ابن يوجان فقتله بداره‏.‏ وخرج يحيى بن الناصر إلى معتصمه كما ذكرناه فخلع الموحدون العادل وبعثوا ببيعتهم إلى المأمون‏.‏ وتولى كبر ذلك الحسن أبو عبد الله الغريغر والسيد أبو حفص بن أبي حفص فبلغ خبرهم إلى يحيى بن الناصر وابن الشهيد فنزلوا إلى ماركش سنة ست وعشرين وقتلوهم‏.‏ وبايع للمأمون صاحب فاس وصاحب تلمسان محمد بن أبي زيد بن يوجان وصاحب سبتة أبو موسى بن المنصور وصاحب بجاية ابن أخيه ابن الأطاس‏.‏ وامتنع صاحب أفريقية وكان ذلك سبباً لاستبداد الأمير أبي زكريا على ما نذكر‏.‏ ولم يبق على دعوة يحيى بن الناصر إلا أفريقية وسجلماسة‏.‏ وزحف البياسي إلى قرطبة فملكها ثم زحف إلى إشبيلية فنازل بها المأمون والطاغية معه بعد أن نزل له عن قجاطة وغيرها من حصون المسلمين فهزمهم المأمون بنواحي إشبيلية ولحق البياسي بقرطبة فثاروا به ونجا إلى حصن المدور فغدر به وزيره أبو يبورك‏.‏ وجاء برأسه إلى المأمون بإشبيلية‏.‏ ثم ثار محمد بن يوسف بن هود وملك مرسية واستولى على الكثير من شرق الأندلس كما ذكرناه في أخباره‏.‏ وزحف إليه المأمون وحاصره فامتنع عليه فرجع إلى إشبيلية ثم خرج سنة ست وعشرين إلى مراكش لما استدعاه أهل المغرب وبعثوا إليه بيعاتهم وبعث إليه هلال بن حميدان أمير الخلط يستدعيه‏.‏ واستمد الطاغية عسكراً من النصارى فأمده على شروط تقبلها منه المأمون وأجاز إلى العدوة‏.‏ وبادر أهل إشبيلية بالبيعة لابن هود واعترضه يحيى بن الناصر فهزمه المأمون واستلحم من كان معه من الموحدين والعرب ولحق يحيى بجبل هنتاتة‏.‏ ثم دخل المأمون الحضرة وأحضر مشيخة الموحدين وعدد عليهم فعلاتهم وتقبض على مائة من أعيانهم فقتلهم وأصدر كتابه إلى البلدان بمحو اسم المهدي من السكة والخطبة والنعي عليه في النداء للصلاة باللغة البربرية وزيادة النداء لطلوع الفجر وهو‏:‏ ‏"‏ أصبح ولله الحمد ‏"‏ وغير ذلك من السنن التي اختص بها المهدي وعبد المؤمن وجرى على سننها أبناؤه‏.‏ فأوعز بالنهي عن ذلك كله‏.‏ وشنع عليهم في وصفهم الإمام المهدي بالمعصوم وأعاد في ذلك وأبدى‏.‏ وأذن للنصارى القادمين معه في بناء الكنيسة بمراكش على شرطهم فضربوا بها نواقيسهم‏.‏ واستولى ابن هود بعده على الأندلس وأخرج منها سائر الموحدين وقتلهم العامة في كل قطر‏.‏ وقتل السيد أبو الربيع ابن أخي المنصور كان المأمون تركه والياً بقرطبة‏.‏ واستبد الأمير أبو زكريا ابن أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص بأفريقية وخلع طاعته سنة سبع وعشرين فعقد للسيد أبي عمران ابن عمه محمد الحرضاني على بجاية مع أبي عبد الله اللحياني أخي الأمير أبي زكريا‏.‏ وزحف إليه يحيى بن الناصر فانهزم ثم ثانية كذلك واستلحم من كان معه ونصبت رؤوسهم بأسوار الحضرة‏.‏ ولحق يحيى بن الناصر ببلاد درعة وسجلماسة‏.‏ ثم انتقض على المأمون أخوه أبو موسى ودعا لنفسه بسبتة وتسمى بالمؤيد فخرج المأمون من مراكش وبلغه في طريقه أن قبائل بني فازاز ومكلاتة حاصروا مكناسة وعاثوا في نواحيها فسار إليها وحسم عاملها واستمر إلى سبتة فحاصرها ثلاثة أشهر واستمد أخوه أبو موسى صاحب الأندلس ابن هود فأمده بأساطيله‏.‏ وخالد يحيى بن الناصر المأمون إلى الحضرة فاقتحمها مع عرب سفيان وشيخهم جرمون بن عيسى ومعهم أبو سعيد بن واندين شيخ هنتاتة وعاثوا فيها فأقلع المأمون عن سبتة يريد الحضره وهلك في طريقه بوادي أم ربيع مفتتح سنة ثلاثين ولحين إقلاعه دخل أخوه السيد أبو موسى في طاعة ابن هود وأمكنه من سبتة فأداله منها والله تعالى

 الخبر عن دولة الرشيد بن المأمون

لما هلك المأمون بويع ابنه عبد الواحد ولقب بالرشيد وكتموا موت أبيه وأغذوا السير إلى مراكش واقيهم يحيى بن الناصر في طريقهم بعد أن استخلف بمراكش أبا سعيد بن وانودين فهزموه وقتل أكثر من معه‏.‏ وصبح الرشيد مراكش فامتنعوا عليه ساعة ثم خرجوا أليه واستقاموا على بيعته‏.‏ وكان وصل في صحبته عمه السيد أبو محمد سعد فحل من الدولة بمكان وكان إليه التدبير والحل والعقد‏.‏ وبعد استقرار الرشيد بالحضرة وصل إليه عمر بن وقاريط كبير الهساكرة بمن كان عنده من أولاد المأمون السيد وأخوته جاءوا من إشبيلية عند ثورة أهلها بهم واستقروا بسبتة عند عمهم أبي موسى ومنها إلى الحضرة عند استيلاء ابن هود على سبتة ومروا بهكسورة وكان ابن وقاريط حذراً من المأمون ومعتقداً أن لا يعود إليه فتذمم بصحابة هؤلاء الولد وقدم علياً لرشيد فتقبله واعتلق بوصلة من السيد أبي محمد سعد وصحابة لمسعود بن حميدان كبير الخلط‏.‏ ولما هلك السيد أبو محمد لحق ابن وقاريط بقومه ومعتصمه وكشف وجه الخلاف وأخذ بدعوة يحيى بن الناصر واستنفر له قبائل الموحدين ونهض إليهم الرشيد سنة إحدى وثلاثين واستخلف على الحضرة صهره أبا العلى إدريس وصعد إليهم الجبل فأوقع بيحيى وجموعه بمكانهم من هزرجة واستولى على معسكرهم‏.‏ ولحق يحيى بسجلماسة وانكفأ الرشيد راجعاً إلى حضرته واستأمن له كثير من الموحدين الذين كانوا مع يحيى بن الناصر فأمنهم ولحقوا بحضرته‏.‏ وكان كبيرهم أبو عثمان سعيد بن زكريا الكدموي وجاء الباقون على أثره وبسعيه بعد أن شرطوا عليه إعادة ما كان أزاله المأمون من رسوم المهدي فأعيدت‏.‏ وقدم فيهم أبو بكر بن يعزى التينمللي رسولاً عن يوسف بن علي بن يوسف شيخ تينملل ومحمد بن يزريكن الهنتاني رسولاً عن أبي علي بن عزوز ورجعا إلى مرسليهما بالقبول فقدما على الحضرة وقدم معهم موسى بن الناصر أخو يحيى وكبيره‏.‏ وجاء على أثرهم أبو محمد بن أبي زكريا وأنسوا لإعادة رسوم الدعوة المهدية‏.‏ وكان مسعود بن حميدان الخلطي قد أغراه عمر بن وقاريط بالخلاف لصحبة بينهما وكان مدلاً ببأسه وكثرة جموعه‏.‏ يقال إن الخلط كانوا يومئذ يناهزون اثني عشر ألفاً سوى الرجل والأتباع والحشود فمرض في الطاعة وتثاقل عن الوفادة‏.‏ ولما علم بمقام الموحدين أجمع اعتراضهم وقتلهم تمكيناً للفرقة والشتات في الدولة فأعمل الرشيد الحيلة في استدعائه وصرف عساكره إلى حاحة لنظر وزيره السيد أبي محمد حتى خلا لابن حميدان الجو وذهب عنه الريب واستقدمه فأسرع اللحاق بالحضرة وقدم معه معاوية عم عمر بن وقاريط فتقبض عليه وقتل لحينه‏.‏ واستدعى مسعود بن حميدان إلى المجلس الخلافي للحديث فتقبض عليه وعلى أصحابه وقتلوا ساعتئذ بعد جولة وهيعة وقضى الرشيد حاجة نفسه فيهم‏.‏ واستقدم وزيره وعساكره من حاجة فقدموا ولما بلغ خبر مقتل هم إلى قومهم قدموا عليهم يحيى بن هلال بن حميدان وأجلبوا على سائر النواحي وأخذوا بدعوة يحبى واستقدموه من مكانه بقاصية الصحراء‏.‏ وداخلهم في ذلك عمر بن وقاريط وزحفوا لحصار الحضرة وخرجت العساكر لقتالهم ومعهم عبد الصمد بن يلولان فرجع ابن وقاريط في جموعه من العساكر فانهزموا وأحيط بجند النصارى فقتلوا وتفاقم الأمر بالحضرة وعدمت الأقوات‏.‏ واعتزم الرشيد على الخروج إلى جبال الموحدين فخرج إليها‏.‏ وسار منها إلى سجلماسة فملكها واشتد الحصار على مراكش وافتتحها يحيى بن الناصر وقومه من هسكورة والخلط وساء أثرهم فيها وتغيرت أحوال الخلافة‏.‏ وتغلب على السلطان السيد أبو إبراهيم بن أبي حفص الملقب بأبي حاقة‏.‏ وفي سنة ثلاث وثلاثين خرج الرشيد من سجلماسة بقصد مراكش وخاطب جرمون بن عيسى وقومه من سفيان فأجاز وادي أم ربيع وبرز إليه يحيى في جموعه والتقى الفريقان فانهزمت جموع يحيى واستحر القتل فيهم ودخل الرشيد إلى الحضره ظافراً‏.‏ وأشار يحيى بن وقاريط على الخلط بالاستصراخ بابن هود صاحب الأندلس والأخذ بدعوته فنكثوا بيعة يحيى وبعثوا وفدهم إلى ابن هود صحبة عمر بن وقاريط فاستقر هنالك‏.‏ وخرج الرشيد من مراكش وفر الخلط أمامه وسار إلى فاس وسرح وزير السيد أبا محمد إلى غمارة وفازاز لجباية أموالهم‏.‏ وكان يحيى بن الناصر لما نكث الخلط بيعته سته لحق بعرب المعقل فأجاوره ووعدوه النصرة واشتطوا عليه في المطالب وأسف بعضهم بالمنع فاغتاله في جهات تازى وسيق رأسه إلى الرشيد بفاس فبعثه إلى مراكش وأوعز إلى نائبه بها أبي علي بن عبد العزيز بقتل العرب الذين كانوا في اعتقاله وهم‏:‏ حسن بن زيد شيخ العاصم وفائد وفائد ابنا عامر شيخا بني جابر فقتلهم وانكفأ راجعاً إلى حضرته سنة أربع وثلاثين‏.‏ وبلغه استيلاء صاحب درعة أبي محمد بن وانودين على جلماسة وذلك أن الرشيد لما فصل من سجلماسة استخلف عليها يوسف بن علي يوسف التينمللي فاستعمل ابن خالته من بني مردنيش وهو يحيى بن أرقم بن محمد مردنيش فثارعليه ثائر من صنهاجة وقتله في خبائه‏.‏ وقام ابنه أرقم يطلب الثأر وبلغ منه ما أراد‏.‏ ثم حدثته نفسه بالانتقاض خوفاً من عزلة الرشيد إياه فانتقض‏.‏ ونهض إليه الرشيد سنة اثنتين وثلاثين فلم يزل أبو محمد بن وانودين يعمل الحيلة في استخلاصها حتى تمكن منها وعفى عن أرقم‏.‏ وكان ابن وقاريط لما فصل إلى ابن هود سنة أربع وثلاثين ركب البحر في أسطول ابن هود وقصد سلا وبها السيد أبو العلى صهر الرشيد فكاد أن يغلب عليها‏.‏ وفي سنة خمس وثلاثين بايع أهل إشبيلية للرشيد ونقضوا طاعة ابن هود وتولى كبر ذلك أبو عمر بن الجد وأشخص ببني حجاج إلى سبتة ووصل وفدهم إلى الحضرة ومروا في طريقهم بسبتة فاقتدى أهلها بهم في بيعة الرشيد‏.‏ وخلعوا أميرهم اليانشي الثائر بها على ابن هود وقدموا على الحضرة‏.‏ وولى عليهم الرشيد أبا علي بن خلاص منهم‏.‏ ولأيام من مقدمهم وصل عمر بن وقاريط معتقلاً من إشبيلية أغراهم بالقبض عليه القاضي أبو عبد الله المؤمناني كان توجه رسولاً إلى ابن هود عن الرشيد فأمكنهم من ابن وقاريط‏.‏ وبعثه إلى الرشيد في وفد من رسله فاعتقله بأزمور وقتل وصلب برباط هسكورة بعد أن طيف به على جمل وانصرف وفد إشبيلية وسبتة واستقدم الرشيد رؤساء الخلط فتقبض عليهم وبعث عساكره فاستباحوا حللهم وأحياءهم ثم أمر بقتل مشيختهم وقتل معهم ابن وقاريط وقطع دابرهم‏.‏ وفي سنة ست وثلاثين وصلت بيعة محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر الثائر بالأندلس على ابن هود‏.‏ وفي سنة سبع وثلاثين اشتدت الفتنة بالمغرب وانتشر بنو مرين في بسائطه وقاتلهم رياح بازغار وشيخهم عثمان بن نصر فهزمهم بنو مرين وقتلوهم قتلاً ذريعاً‏.‏ وكان الرشيد استقدم أبا محمد بن وانودين من سجلماسة سنة خمس وثلاثين وعقد له على فاس وسجلماسة وغمارة ونواحيها من أرض المغرب فكان هنالك‏.‏ ولما انتشر بنو مرين بالمغرب زحف إليهم فهزموه ثم زحف ثانية وثالثة فهزموه وأقام في محاربتهم سنتين ورجع إلى الحضرة‏.‏ واشتد عدوان بني مرين بالمغرب وألحوا على مكناسة حتى أعطوا الأتاوة لبني حمامة منهم فأسفوا بني عسكر بذلك واتصل عيثهم في نواحيها‏.‏ وفي سنة تسع وثلاثين قتل الرشيد كاتبه ابن المؤمناني لمداخلة له مع بعض السادة وهو عمر ابن عبد العزيز أخي المنصور وقف على كتابه إليه بخطه‏.‏ وغلظ الرسول بها فدفعها بدار الخليفة‏.‏ وفي سنة أربعين بعدها كانت وفاة الرشيد غريقاً زعموا في بعض حوائز القصر‏.‏ ويقال إنه أخرج من الماء وحم لوقته وكان فيها مهلكه‏.‏ الخبر عن دولة السعيد بن المأمون لما هلك الرشيد بويع أخوه أبو الحسن السعيد بتعيين أبي محمد بن وانودين وتلقب المعتضد بالله‏.‏ واستوزر السيد أبا إسحاق بن السيد أبي إبراهيم ويحيى بن عطوش‏.‏ وتقبض على جملة من مشيخة الموحدين واستصفى أموالهم واستخلص لنفسه رؤساء العرب من جشم‏.‏ واستظهر بجموعهم على أمره وكان شيخ سفيان كانون بن جرمون كبير مجلسه ولأول بيعته انتقض عليه أبو علي بن خلاط البلنسي صاحب سبتة وكذلك أهل إشبيلية وبايعوا جميعاً للأمير أبي زكريا صاحب أفريقية‏.‏ ثم انتقض عليه بسجلماسة عبد الله بن زكريا الهزرجي لمقالة كانت منه يوم بيعة الرشيد أسرها له فبايع للأمير أبي زكريا‏.‏ ثم وصلته في هذه السنة هدية يغمراسن بن زيان صاحب تلمسان فنهض الأمير أبو زكريا صاحب أفريقية بسبب ذلك إلى تلمسان واستولى عليها‏.‏ ثم عقد عليها ليغمراسن حسبما نذكر في أخباره‏.‏ وخرج السعيد من مراكش لتمهيد بلاد المغرب سنة اثنتين وأربعين وتغير لسعيد بن زكريا الكدميوي فتقبض عليه في معسكره بتانسفت وفر أخوه أبو زيد ومعه أبو سعيد العود الرطب ولحقوا بسجلماسة فاستصفى أموالهم بمراكش وارتحل بقصد سجلماسة وأخذ واليها عبد الله الزرجي في أسباب الامتناع فغمر به أبو زيد بن زكريا الكدميوي وداخل أهل سجلماسة في الثورة عليه وملك البلد‏.‏ واستدعى السعيد لها فوصل وقتل الهزرجي‏.‏ وفر أبو سعيد العود الرطب إلى تونس‏.‏ ثم رجع السعيد إلى المغرب وقتل سعيد بن زكريا ونزل المقرمدة من أحواز فاس‏.‏ وعقد المهادنة مع بني مرين وقفل إلى مراكش فتقبض على أبي محمد بن وانودين واعتقله بأزمور‏.‏ واعتقل معه يحيى بن مزاحم ويحيى بن عطوش لنظر ابن ماكسن فأعمل الحيلة في الفرار من معتقله‏.‏ وخلص ليلاً إلى كانون بن جرمون فأركبه وبعث معه من عرب سفيان من أوصله إلى قومه هنتاتة‏.‏ وراسله لسعيد على أثرها وسكنه واعتذر له انتقض على السعيد كانون بن جرمون وسفيان وخالفهم إليه بنو جابر والخلط وخرج من مراكش واستوزر السيد أبا إسحاق بن السيد أبي إبراهيم إسحاق أخي المنصور‏.‏ واستخلف أخاه أبا زيد على مراكش وأخاهما أبا حفص عمر على سلا وفصل من مراكش سنة‏.‏ وجمع له أبو يحيى بن عبد الحق جموع بني راشد وبني ورا وسفيان حتى إذا تراءى الفريقان للقاء خالف كانون ابن جرمون الموحدين إلى أزمور‏.‏ واستولى عليها ورجع السعيد أدراجه في أتباعه ففر كانون واعترضه السعيد فأوقع به واستلحم كثيراً من سفيان قومه واستولى على ماله من مال وماشة‏.‏ ولحق كانون في فله ببني مرين ورجع السعيد إلى الحضرة‏.‏ وفي سنة ثلاث وأربعين ثارت للعامة بمكناسة على واليها من أبل السعيد فقتلوه‏.‏ وحذر مشيختها من سطوته فحولوا الدعوة إلى الأمير أبي زكريا بن أبي حفص صاحب إفريقية وبعثوا إليه بيعتهم وكانت من إنشاء أبي المطرف بن عميرة وذلك بمداخلة أبي يحيى بن عبد الحق أمير بني مرين ووفاقه لهم على ذلك‏.‏ وشارطوا أبا يحيى بن عبد الحق بمال دفعوه إليه على الحماية‏.‏ ثم راجوا رأيهم وأوفدوا صلحاءهم ببيعتهم فرضي عنهم السعيد ورضوا عنه‏.‏ وفي هذه السنة بعث أهل إشبيلية وأهل سبتة بطاعتهم للأمير أبي زكريا صاحب إفريقية‏.‏ وبعث ابن خلاص بهديته مع ابنه في أسطول أنشأه لذلك فغرق عند إقلاعه من المرسى‏.‏ وفي وأربعين كان سنة ست وأربعين كان استيلاء الطاغية على إشبيلية لسبع وعشرين من رمضان‏.‏ ولما بلغ السعيد بيعة أهل إشبيلية وسبتة للأمير أبي زكريا إلى ما كان من تغلبه على تلمسان وأخذ يغمراسن بدعوته ثم ما كان من بيعة أهل مكناسة وأهل سجلماسة له أعمل نظره في الحركة إلى تلمسان ثم إلى إفريقية‏.‏ وخرج من مراكش في ذي الحجة في سنة خمس وأربعين ووافاه كانون بن جرمون فعاود الطاعة واستحشد سفيان وجاء في جملة السعيد مع سائر القبائل من جشم‏.‏ ولما احتل السعيد بتازى وافاه وفد بني مرين عن أميرهم أبي يحيى بن عبد الحق فأعطوه الطاعة وبعثوا معه عسكراً من قومهم مدداً له‏.‏ ثم سار السعيد إلى تلمسان فكان مهلكه بتامزردكت على يد بني عبد الواد في صفر سنة ست وأربعين حسبما نشرح في أخبارهم‏.‏ ويقال إن ذلك كان بمداخلة من الخلط فاستولوا على المحلة وقتلوا عدوهم كانون وانفض العسكر إلى المغرب وقد اجتمعوا إلى عبد الله بن السعيد واعترضهم بنو مرين بجهات تازى فقتلوا عبد الله بن السعيد ولحق الفل بمراكش فبايعوا للمرتضى كما نذكره‏.‏

 الخبر عن دولة المرتضى ابن أخي المنصور

لما لحق فل العسكر بعد مهلك السعيد بمراكش اجتمع الموحدون على بيعة السيد أبي حفص عمر بن السيد أبي إبراهيم إسحاق أخي المنصور واستقدموه لها من سلا فلقيه وافدهم بتامستا من طريقه ومعه أشياخ العرب فبايعوه وتلقب المرتضى‏.‏ وعقد ليعقوب بن كانون على بني جابر ولعمه يعقوب بن جرمون على عرب سفيان بعد أن كان قومه قدموه عليهم ودخل الحشرة فاستوزر أبا محمد بن يونس وتقبض علي حاشية السعيد‏.‏ ثم وصل أخوه السيد أبو إسحاق من الفل أخذاً على طريق سجلماسة فاستوزره واستبد عليه‏.‏ واستولى أبو يحيى بن عبد الحق وبنو مرين إثر مهلك السعيد على رباط تازى من يد السيد أبي علي أخي أبي دبوس وأخرجوه فلحق بمراكش‏.‏ ثم استولوا بعدها على مدينة فاس سنة سبع وأربعين كما نذكره في أخبارهم بعد‏.‏ وفي هذه السنة ثار بسبتة أبو القاسم العزفي وأخرج ابن الشهيد الوالي على سبتة من قرابة الأمير أبي زكريا صاحب إفريقية وحول الدعوة للمرتضى حسبما نذكر في أخبار الدولة الحفصية وأخبار بني الغزي‏.‏ وفي سنة تسع وأربعين وفد على المرتضى موسى بن زيان الونكاسي وأخوه على من قبائل بني مرين وأغروه بقتال بني عبد الحق فخرج إليهم‏.‏ ولما انتهى إلى أمان يملولن أشاع يعقوب بن جرمون قضية الصلح بينهما فأصحوا راحلين وقد استولى الجزع على قلوبهم فانفضوا ووقعت الهزيمة من غير قتال‏.‏ ووصل المرتضى إلى الحضرة فعزل أبا محمد بن يونس عن الوزارة لشيء بلغه عنه وأسكنه بجبلة مع حاشيته وفر من جملته علي بن يدر إلى السوس سنة إحدى وخمسين وجاهز بالعناد‏.‏ وسرح إليه السلطان عسكراً من الجند فرجعوا عنه ولم يظفروا به‏.‏ وتقاقم أمره سنة اثنين وخمسين‏.‏ وجمع أعراب الشبانات وبني حسان وحمل أموال ونازل تارودنت فحاصر من كان بها‏.‏ وسرح المرتضى إليه عسكراً من الموحدين فأفرج عنها‏.‏ ثم رجع بعد قفولهم إلى حاله وعثر على خطابه لقريبة ابن يونس وكتاب ابن يونس إليه بخطه فاعتقل هو وأولاده ثم قتل‏.‏ وفي هذه السنة استدعى مشيخة الخلط إلى الحضرة وقتلوا لما كان منهم في مهلك السعيد‏.‏ وفيها خرج أبو الحسن بن يعلو في معسكر من الموحدين إلى تامستا ليكشف أحوال العرب ومعه يعقوب بن جرمون وعهد إليه المرتضى بالقبض على يعقوب بن محمد بن قيطون شيخ بني جابر فتقبض عليه وعلى وزيره ابن مسلم وطير بهما إلى الحضرة معتقلين‏.‏ وفي سنة ثلاث وخمسين خرج المرتضى من مراكش لاسترجاع فاس ونواحيها من أيدي بني مرين المتغلبين عليها فوصل إلى بني بهلول وزحف إليه بنو مرين وأميرهم أبو يحيى فكانت الهزيمة على الموحدين بذلك الموضع‏.‏ ورجع المرتضى مفلولاً إلى مراكش ووادع بني مرين من بعد ذلك سائراً وفي سنة خمس وخمسين بعث المرتضى إلى السوس عسكراً من الموحدين لنظر أبي محمد بن أصناك فلقيهم علي بن يدر وهزمهم واستبد بأمره في السوس‏.‏ وفي هذه السنة استولى أبو يحيى بن عبد الحق على سجلماسة وتقبض على واليها عبد الحق بن أصكو بمداخلة من خديم له يعرف بمحمد القطراني كان أبوه تاجراً في القطران بنواحي سلا فصرف عبد الحق ابنه محمد هذا في مهمة وقربه من بين أهل خدمته وحدثته نفسه بالثورة فاستمال عرب المعقل أولا بالمشاركة في حاجتهم عند مخدومه والإحسان إليهم حتى اشتملوا عليه‏.‏ ثم داخل أبا يحيى بن عبد الحق في تمكينه من البلد فجاء بجملته وقدم وفده إلى البلد رسلا في بعض الحديث فتقبض محمد القطراني على عبد الحق بن أصكو وأخرجه إلى أبي يحيى بن عبد الحق فقاده وسرحه إلى مراكش‏.‏ وكان القطراني شرط على أبي يحيى أن يكون والي سجلماسة فأمضى له شرطه وأنزل معه بها من رجالات بني مرين حتى إذا هلك أبو يحيى بن عبد الحق أخرجهم محمد القطراني واستبد بأمر سجلمانة وراجع دعوة المرتضى واعتذر إليه واشترط عليه الاستبداد فأمضى له شرطه إلا في الأحكام الشرعية‏.‏ وبعث أبا عمر بن حجاج قاضياً من الحضرة وبعض السادات للسكنى في القصبة وقائداً من النصارى بعسكر للحماية فعمل ابن حجاج الحيلة في قتل القطراني وتولاه قائد النصارى‏.‏ واستبد السيد بأمر سجلماسة بدعوة المرتضى واستفحل أمر بني مرين أثناء ذلك‏.‏ ونزل يعقوب بن عبد الحق بسائط تامستا فسرح إليهم المرتضى عسكر الموحدين لنظر يحيى بن وانودين فأجفلوا إلى وادي أم ربيع واتبعهم الموحدون فرجعوا إليهم وغدر بهم بنو جابر فانهزم الموحدون بأم الرجلين‏.‏ ولحق شيخ الخلط علي بن أبي علي ببني مرين وارتحلوا إلى أوطانهم‏.‏ وكان المرتضى قدم يعقوب بن جرمون على قبائل سفيان وكان يعقوب ابن أخيه كانون يناهضه في رياسة قومه وغص به فقتله‏.‏ وثار به أخواه مسعود وعلي بعد حين فقتلاه‏.‏ وولى المرتضى مكانه ابنه عبد الرحمن فاستوزر يوسف بن وارزك ويعقوب بن علوان‏.‏ وشغل بلذاته وتصدى لقطع السابلة ثم نكث الطاعة ولحق ببني مرين فولى مكانه عمه عبيد الله بن جرمون ويكنى بأبي زمام‏.‏ وعقد له المرتضى ثم أدال منه بأخيه مسعود لعجزه‏.‏ ووفد على المرتضى عواج بن هلال من أمراء الخلط نازعاً إلى طاعته ومفارقاً لبني مرين فأنزل مع أصحابه بمراكش وجاء على أثره عبد الرحمن بن يعقوب بن جرمون فتقبض على عواج ودفعه إلى علي بن أبي علي فقتله وكان تقبض معه على عبد الرحمن بن يعقوب ووزيريه فقتلوا جميعاً واستبد برياسة سفيان مسعود بن كانون وبرئاسة بني جابر إسماعيل بن يعقوب بن قيطون‏.‏ ونجي سنة ستين عند رجوع يحيى بن وانودين من واقعة أم الرجلين خرج عسكر من الموحدين إلى السوس لنظر محمد بن علي أزلماط‏.‏ ولقبه علي بن يدر فهزم جموعه وقتله وعقد المرتضى من بعده على حرب علي بن يدر للوزير أبي زيد بن بكيت وسرح معه‏.‏ عسكراً من الجند وكان فيهم دنلب من زعماء النصرانية فدارت الحرب بين الفريقين ولم يكن للموحدين فيها ظهور على كثرتهم وقوة جلدهم وحسن بلائهم قعد بهم عن ذلك تكاسل دنلب وخروجه عن طاعة الوزير‏.‏ وكتب بذلك للمرتضى فاستقدمه وأمر أبا زيد بن يحيى الكدميوي باعتراضه في طريقه وقتله‏.‏ وفي سنة اثنتين وستين أقبل يعقوب بن عبد الحق في جموع بني مرين فنازلوا مراكش واتصلت الحرب بينهم وبين الموحدين بظاهرها أياماً هلك فيها عبد الله أنعجوب بن يعقوب فبعث المرتضى إلى أبيه بالتعزية ولاطفه وضرب له أتاوة يبعث بها إليه في كل عام فرضي وارتحل عنهم‏.‏